ثائر أبو عطيوي يكتب: زياد الرحباني عالم من الفكرة والإنسان

سأهرب بقلمي بعيدا عن أجواء الحرب المستمرة التي أعيشها في قطاع غزة ، إلى عالم آخر ، رغم أنه عالم غير مختلف ، إنه عالم الراحل المبدع زياد الرحباني، الذي شكل لنا رحيله عن عالمنا مفاجأة صادمة رغم حجم الصدمات التي نعيشها في غزة بسبب الحرب ، ولكن موت زياد نوع آخر ، فهو رحيل ووجع الغياب الذي سيبقى جرسا تدق ذكراه ناقوس في عالم النسيان للأبد ، لأن زياد عالم إنساني وسياسي منفرد بذاته ، له تفكيره ورؤيته الخاصة التي تحاكي عقول وقلوب العامة قبل النخبة من المجتمعات ، لأن زياد ومبكرا اكتشف عمق المأساة الإنسانية للواقع العربي وخصوصا السياسية في وطنه الحبيب لبنان ، حيث ظهر هذا واضحا وبعمق الانتماء الحقيقي للفكرة والإنسان، من خلال مسرحياته وكتاباته عن الواقع الإنساني والسياسي العربي ، فكان زياد ناقدا إيجابيا وطنيا لا سلبيا ولا معول هدم ، بل كان عنوان للبناء والعطاء عبر فكره المتجذر عشقا للأرض والانسان والمحبة والسلام.
وعلى الجانب الآخر فقد شكل الرحباني زياد اسطورة ابداع موسيقى عظيم ذو مدرسة موسيقية منفردة التأثير والنظير، حيث كان الابداع والتميز عنوانه في التأليف الموسيقي والعديد من كلمات الاغاني التي صدحت بها والدته العظيمة فيروز صاحبة الصوت الملائكي، وكانت الأغاني ومازالت وستبق التي لحنها وألفها وغنتها فيروز واحة عشق لكل مستمع ذواق للفن والموسيقى الملتزمة في الأداء والمضمون.
كان زياد الرحباني نصير القضية الوطنية الفلسطينية ، ونصير كافة القضايا الإنسانية في العالم بأكمله، فقد كان صوت الضعفاء والبسطاء والمهمشين وصوت الباحثين في كل صباح عن يوم جديد يأخذ بهم نحو الحياة بأمل وتفاؤل رغم عمق الألم والمعاناة.
رحيل زياد الرحباني شكل غصة في القلوب لا تداويها الأيام والسنين ، لأننا في كل يوم وفي كل لحظة حزن وفرح سنتذكره في كافة تفاصيل حياته المختلفة، التي سخرها جميعا من أجل رفعة الانسان ، فسلام إلى روحك زياد ووردة وريحان ستبقى عطرا فواحا في كل مكان وعلى ممر الزمان.
وأخيرا وليس آخرا ... زياد سنشتاق لك شوقا يفوق شوق الأحبة العاشقين.