الدكتور أحمد عبود يكتب: كرسي البرلمان.. كيف ننقل الحياة السياسية في مصر نقلة غير مسبوقة؟

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتبدل فيه المواقف، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن نعيد للحياة السياسية في مصر روحها الحقيقية بعيدًا عن الصراعات الشكلية والانتماءات الحزبية الضيقة؟ إن التغيير المنشود لا يتحقق بمجرد تبديل المقاعد أو رفع الشعارات، بل يتحقق بإرادة جماعية تسعى لنقل العمل السياسي من دائرة الجمود إلى فضاء التجديد.
أول طريق التغيير يبدأ من إعادة بناء ثقافة المشاركة السياسية، فالمواطن المصري حين يدرك أن صوته له قيمة حقيقية وأن رأيه يمكن أن يغير، سينخرط في الحياة السياسية بإيجابية. علينا أن نخرج التوعية السياسية من قاعات النخبة إلى بيوت البسطاء، إلى الشباب في الجامعات والمدارس، إلى الفلاح في قريته والعامل في مصنعه. الإعلام هنا يلعب دورًا فارقًا، لا بتأجيج الصراعات، بل ببناء الوعي، وعرض الحقائق، وإتاحة الفرصة لكل صوت شريف أن يُسمع.
أما ثاني خطوات النقلة الكبرى فهو فتح الأبواب أمام الدماء الجديدة. الحياة السياسية في مصر تحتاج إلى شباب مستقلين، إلى كوادر خرجت من رحم المجتمع، تحمل همومه وأحلامه، لا تبحث عن مكاسب ضيقة ولا تركض خلف مصالح آنية. لذلك، فإن تخفيض تكاليف الترشح، ودعم المستقلين، وتسهيل إجراءات خوض الانتخابات، هي أولوية لا غنى عنها إذا أردنا برلمانًا يعبر حقًا عن الأمة لا عن طبقة بعينها.
ولا يمكن أن نتحدث عن تجديد الحياة السياسية دون الإشارة إلى تحديث أدوات العمل النيابي. البرلمان يجب أن يكون بيت الشعب بحق، يُذاع للناس ما يجري في قاعاته، وتكون جلساته مفتوحة للمواطن العادي ليرى ويسمع، وليعلم من يمثلونه وماذا يفعلون. آن الأوان لتفعيل التكنولوجيا في خدمة السياسة، عبر منصات إلكترونية تتيح للناس متابعة نوابهم، تقديم شكاواهم، وإبداء مقترحاتهم بشكل مباشر.
ثم يأتي دور الأحزاب نفسها. الأحزاب في أي دولة هي مدارس للسياسة، ومصانع للقيادات. لكن ذلك لن يتحقق إلا حين تلتزم الأحزاب بالديمقراطية الداخلية، وتجعل اختيار مرشحيها وقياداتها قائمًا على الكفاءة والبرامج لا على المجاملات والصفقات. الدولة هنا مطالبة بأن تراقب وتدعم لا لتتحكم، بل لتضمن الشفافية والعدالة.
وأخيرًا، فإن القوانين المنظمة للحياة السياسية بحاجة إلى مراجعة شاملة. نحن بحاجة إلى قانون انتخابات عادل يعزز التعددية ويمنع الاحتكار، بحاجة إلى قوانين تجرم استغلال المال السياسي، وتشجع المنافسة الشريفة، وتضمن تمثيل كل فئات المجتمع، وخاصة الشباب والمرأة وأبناء الأطراف.
إن كرسي البرلمان في مصر ليس مجرد مقعد في قاعة مكيفة، بل هو أمانة ومسؤولية، من يحمله بحق لا يسعى إليه إلا ليؤدي واجبه، ومن يحمله زورًا يثقل به على الوطن كله. وإذا أردنا نقل الحياة السياسية في مصر نقلة غير مسبوقة، فعلينا جميعًا أن نبدأ من أنفسنا: