فريهان طايع تكتب: في مهنة لا تنام: كيف غيّرتني أخطر قضية في حياتي
كصحفية، خضتُ خلال السنوات الأخيرة واحدة من أصعب وأخطر القضايا في مسيرتي المهنية، قضية لم تكن مجرد تحقيق عابر، بل مخاطرة حقيقية بحياتي في سبيل الوصول إلى الحقيقة.
جازفتُ بنفسي، وتعرّضتُ للخطر، من أجل جمع وثائق ومعلومات بالغة الخطورة، قمتُ بالحصول عليها وتصويرها، ثم أبلغتُ بها الجهات المعنية وتعاونتُ معها بشكل كامل للإيقاع بشخص ثبت تورطه في وحدة إجرامية منظمة.
لم تتردد الجهات المختصة حينها في توجيه الشكر والتقدير لي، وهو ما ترك أثرًا إنسانيًا عميقًا بداخلي، وأكد لي أن للصحافة دورًا حقيقيًا ومحوريًا لدى مؤسسات الدولة، وأن الكلمة الموثقة يمكن أن تكون سلاحًا في مواجهة الجريمة.
في تلك اللحظة، نسيتُ تعب سنوات طويلة قضيتها في السهر وجمع الأدلة والمستندات الخطيرة، وبعد تسليم الملف أغلقتُ القضية وانتقلتُ إلى ملفات أخرى، دون متابعة مجرياتها.
وخلال هذا الشهر، جاء الخبر الذي انتظرته العدالة طويلًا: القبض على المتهم والحكم عليه بالسجن عشر سنوات، بفضل تحقيقاتي، وبفضل عدالة لا تنام.
للمرة الأولى شعرتُ باعتزاز حقيقي بهذه المهنة، لأننا كصحفيين نسهر لنصرة الحق، ونكشف الفساد، ونخوض غمار التحقيق الاستقصائي مهما كان الثمن.
لا أستطيع وصف حجم الفخر الذي أشعر به في هذه اللحظة، فقد كانت كل قضية أخوضها تعني لي ليالي بلا نوم، وأدلة تُجمع بحذر، ومخاطر أواجهها دفاعًا عن الحقيقة، ومحاربةً للفساد في أي دولة عربية، خاصة ذلك الفساد الذي يمس أمن الدول واستقرارها.
مررتُ بفترات يأس، وكدتُ أتراجع عن ملاحقة المجرمين، ولا أنسى كلمات زميل صحفي قال لي ذات يوم: «اتركي الأشرار وابتعدي… نحن نخاف أن نخسرك»، وتوسل إليّ أن أتوقف.
لكنني لم أستجب، وبقيتُ مؤمنة بأن مواجهة الفساد واجب لا خيار، وأن الصمت عنه خيانة للمهنة والضمير.
وسأظل مستمرة في محاربة كل مجرم، مهما ارتدى من أقنعة، ومهما تخفى خلف شخصيات زائفة.




















