إبراهيم نصر يكتب: الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس
ظاهرة التغيرات المناخية من أخطر التحديات التي تواجه كوكب الأرض والبشرية جمعاء، فهي ليست مجرد ظاهرة بيئية، بل أزمة وجودية تتشابك فيها الأبعاد الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية. وعندما نتأمل هذه الأزمة في ضوء التعاليم السماوية، نجد إشارة صريحة إلى جوهر المشكلة وعمقها الروحي، تتجسّد في قوله تعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (الروم: 41).
الآية تضع مبدأً أساسياً وهو أن الفساد ليس قدراً محتوماً، بل هو نتيجة مباشرة “بما كسبت أيدي الناس”. وفي سياق التغيرات المناخية، يتجلى هذا الفساد في صور متعددة، تتمثل في التصحر، تدهور الأراضي الزراعية، الجفاف، زيادة حرائق الغابات، تلوث التربة والمياه العذبة نتيجة الإفراط في استخدام الوقود الأحفوري والانبعاثات الغازية، ارتفاع منسوب سطح البحر، تحمُّض المحيطات، بسبب امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد، تبييض الشعاب المرجانية، ذوبان الجليد القطبي، مما يهدد النظم البيئية البحرية والتنوع البيولوجي.
إن استخدام البشر غير الرشيد لموارد الكوكب، واعتمادهم المفرط على مصادر الطاقة الملوّثة، هو المصدر الرئيسي لزيادة انبعاثات الغازات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير أنماط الطقس.
إدراكاً لخطورة هذه التحديات، وفي إطار التزامها الدولي والوطني، اتخذت مصر خطوات جادة وفعالة للتحوّل نحو نموذج تنموي مستدام يعتمد على الطاقة الخضراء، ويخفف من آثار التغيرات المناخية. وتتركَّز هذه الجهود في النقاط التالية:
الاستثمار في الطاقة المتجددة: تتصدر مصر دول المنطقة في تبني مشروعات الطاقة المتجددة، لعل أبرزها، مجمع بَنْبَان للطاقة الشمسية، ويعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، والاستثمار في محطات طاقة الرياح الضخمة في مناطق خليج السويس والزعفرانة.
الهيدروجين الأخضر: تتجه مصر بقوة لتصبح مركزاً إقليمياً لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، وهو وقود نظيف ينتج باستخدام الطاقة المتجددة.
النقل المستدام: تشجيع مصر استخدام الغاز الطبيعي كوقود للسيارات، والبدء في إدخال المركبات الكهربائية، وتطوير شبكات المترو والقطارات الكهربائية السريعة لتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي.
استضافة قمة المناخ: استضافة مصر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) في شرم الشيخ 2022، أكدت دورها القيادي في الدعوة إلى العمل المناخي العالمي، لا سيما فيما يتعلق بمساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية.
أخيرا وليس آخرا: مشاركة مصرية قوية فى مؤتمر الصناعة الخضراء، الذى ينظمه برنامج الصناعة الخضراء المستدامة GSIالممول من بنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية والاتحاد الأوروبي، وقد انطلقت فاعلياته الأحد الماضى بمشاركة أربعة وزراء مصريين.
إن الجهود المصرية الرامية إلى التحول نحو الطاقة الخضراء ليست مجرد استراتيجية اقتصادية، بل هي “رجوع” إلى الفطرة وإصلاح لهذا الفساد الكوني، وتمثل نموذجاً يحتذى به في الموازنة بين متطلبات التنمية والحفاظ على البيئة. ويبقى الهدف الأسمى هو الوفاء بمسؤولية الاستخلاف التي كلفنا الله بها، واستجابةً للأمر الإلهي بالصلاح والإصلاح ونبذ الفساد.
[email protected]



















