محمد موسى يكتب: الأبناء زينة الحياة ومسؤولية الأمانة

قال الله تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” [الكهف: 46]، فالأبناء نعمة من نعم الله الكبرى، وزينة من زينة الدنيا التي يفرح بها الإنسان، ويستبشر بها خيرًا. هم سر السعادة، ومصدر الفرح، وامتداد للحياة بعد الموت. ولكن كما أنهم زينة، فهم أيضًا أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة.
لا شك أن الأولاد من أعظم ما يُرزق به الإنسان، وهم زينة لا تقدر بثمن. من خلالهم يشعر الوالد بمعنى الأبوة، وتشعر الأم بكمال أمومتها. وتكمن قيمة هذه النعمة في أن أثرها لا يقتصر على الدنيا فقط، بل يمتد إلى الآخرة، كما قال رسول الله ﷺ:
“إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وذكر منها: ولد صالح يدعو له”.
إن صلاح الأبناء من الأعمال التي تبقى للإنسان بعد موته، والدعاء الصالح منهم يصل إلى والديهم، ويُكتب لهم به الأجر حتى بعد رحيلهم من الدنيا.
يولد الطفل على الفطرة، لكن البيئة والتربية هي التي تحدد مستقبله وشخصيته وسلوكه. ومن هنا تأتي أهمية دور الوالدين في تربية أبنائهم. فالتربية لا تعني فقط إطعام الطفل وتوفير حاجاته الجسدية، بل تعني بناء شخصيته، وتعليمه القيم، وغرس المبادئ الأخلاقية والدينية في قلبه منذ الصغر.
التربية السليمة تقوم على الحب، والحوار، والقدوة الحسنة. على الوالدين أن يزرعا في أبنائهم:
• حب الله ورسوله.
• احترام الكبير والصغير.
• الصدق، والأمانة، والتواضع.
• حب العلم، والاجتهاد في العمل.
• الانتماء إلى الوطن، والإخلاص في خدمته.
كما أن للآباء حقًا في تربية الأبناء، فإن على الأبناء واجبًا عظيمًا تجاه آبائهم، وهو البر والإحسان إليهم. وقد قرن الله طاعته ببر الوالدين، فقال:
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [الإسراء: 23].
بر الوالدين لا يقتصر على الطاعة، بل يشمل:
• حسن المعاملة والقول الطيب.
• الدعاء لهم في حياتهم وبعد وفاتهم.
• خفض الصوت عند الحديث معهم.
• تلبية احتياجاتهم النفسية والمادية.
• التماس رضاهم، وتجنّب ما يُغضبهم.
بر الوالدين سبب للرضا والبركة في الحياة، وهو باب من أبواب الجنة، كما قال النبي ﷺ:
“رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة”.
في عصر التكنولوجيا والانفتاح على العالم، تواجه الأسرة تحديات كبيرة في تربية الأبناء، من بينها: انتشار القيم السلبية، وسهولة الوصول إلى محتويات غير مناسبة، وضعف الرقابة أحيانًا.
ولذلك، أصبح من الضروري أن يكون الوالدان على دراية بهذه التحديات، وأن يواكبوا أبناءهم في فهم ما يواجهونه، مع بناء علاقة قائمة على الثقة والحوار، لا على الخوف والعقاب فقط. كما ينبغي أن يكون الأهل هم القدوة الأولى لأبنائهم، فالأطفال يتعلمون بالسلوك أكثر مما يتعلمون بالكلام.
إن الأبناء نعمة من الله، وهم زينة هذه الحياة، لكنهم أمانة عظيمة ومسؤولية لا ينبغي الاستهانة بها. كما أن للآباء حق التربية، فإن للأبناء واجب البر والطاعة. ومن يُحسن في هذا التوازن، يبني أسرة قوية، ومجتمعًا صالحًا، ويكون من أهل السعادة في الدنيا والآخرة.
فلنحرص جميعًا على أداء واجبنا تجاه هذه النعمة، حتى نكون من الذين قال عنهم النبي ﷺ: “كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته”