الدكتور أسامة الأزهري من أمام الأهرامات: مصر كانت وما زالت مهد الحكمة ومصدر الإلهام
في أجواء رائعة أمام أهرامات الجيزة العريقة، استعرض الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، سيرة ومكانة الإمام العالم موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، الذي وصف أهرامات مصر بأبدع الأوصاف قبل ثمانية قرون، رابطًا بين عبقرية الأثر المصري القديم وعمق الفهم الإسلامي للعلم والحضارة.
وأكد الأزهري أن البغدادي كان أحد أئمة الإنسانية الكبار، جمع بين الفقه والطب والفلسفة والنحو، وكان نموذجًا للعالم الموسوعي الذي يرى في الكون كله ميدانًا للتأمل في آيات الله. وأوضح أن العلماء أدركوا منذ القدم أن الشرع يدعو إلى التدبر في كل ما أبدعته العقول البشرية من علوم وآثار، مؤكدًا أن الأهرام تمثل قمة الإتقان الإنساني الذي يعكس عبقرية المصري القديم.
وسرد الأزهري بعض محطات حياة البغدادي الذي ولد في بغداد عام 557 هـ، ثم التقى بالسلطان صلاح الدين الأيوبي في القدس، فوصفه بأنه "عظيم يملأ العين روعة والقلوب محبة". كما أقام في مصر ودرّس في الجامع الأزهر نحو عام 600 هـ، ليجمع بذلك – كما قال الأزهري – بين أعظم مدرستين في التاريخ الإنساني على أرض واحدة: الهرم الأكبر الذي يمثل عبقرية البناء، والجامع الأزهر الذي يمثل عبقرية العلم والفكر.
واستشهد الأزهري بما سجله البغدادي في كتابه الشهير "الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر"، والذي يعد من أبدع ما كتب الرحالة عن مصر، خاصة وصفه للأهرام. وقال البغدادي في إعجابه بها: "سُلك في بناية الأهرام طريق عجيب من الشكل والإتقان، ولذلك صبرت على مر الزمان"، مضيفًا أن "الأذهان الشريفة استُهلكت فيها، والعقول الصافية أفرغت عليها مجهودها"، حتى بدت وكأنها "تنطق عن علوم قومها وأذهانهم".
وأشار الأزهري إلى أن البغدادي وصف دقة البناء بأنها بلغت درجة لا يمكن أن تجد فيها خللاً، قائلاً: "لا تجد بين الحجر والحجر مدخلاً لإبرة ولا خلل شعرة"، وهو ما يعكس إدراكه لقيمة العلم والهندسة والفكر في بناء الحضارات.
وتوقف الأزهري عند وصف البغدادي للنقوش التي رآها على الأهرام، قائلاً إنه لو جُمعت ما كُتب عليها لبلغت "عشرة آلاف صحيفة"، في إشارة إلى أن الهرم كان يحمل طبقة خارجية ملساء منقوشة اختفت بمرور الزمن، وكانت توثق معارف المصريين وعلومهم. كما نقل وصف البغدادي لأبي الهول بأنه "يضحك تبسماً"، مبرزًا عبقرية الفنان الذي حافظ على تناسب الأعضاء رغم ضخامة التمثال.
وفي ختام كلمته، عقد الأزهري مقارنة بليغة بين "بغدادي الرحمة"، الإمام الموفق عبد اللطيف، الذي أدرك قيمة الآثار وتعامل معها بعين العالم المؤمن بجمال الخلق، و"بغدادي الإرهاب"، زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، الذي دعا إلى هدمها باسم الجهل والتكفير. وقال الأزهري إن هذه المقارنة تكشف الفارق بين عقلٍ فهم الإسلام فبنَى الحضارة والعلم والإبداع، وعقلٍ آخر مظلم حمل راية القتل وتدمير مقاصد الشريعة.
واختتم الأزهري، حديثه مؤكداً أن مصر كانت وما زالت مهد الحكمة، ومصدر الإلهام الذي جمع بين نور الإيمان وعبقرية الإنسان.





















