انقسام إسرائيلي بشأن إسقاط التهم بحق نتنياهو أمام الجنائية الدولية بعد وقف الحرب

أثارت مسألة وقف الحرب على غزة انقسامًا إسرائيليًا بشأن إمكانية إسقاط التهم بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024.
وأصدرت المحكمة حينها مذكرتين باعتقال نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب من 8 أكتوبر 2023 حتى 20 مايو 2024 على الأقل، وهو اليوم الذي قدم فيه الادعاء طلبات مذكرتي توقيف.
واعتبرت المحكمة أن "السلوك المنسوب" لنتنياهو وجالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة، مشيرة إلى قرار سابق لها بأن اختصاص المحكمة يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
في تقرير لها، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، اليوم السبت، أن المسئولين الإسرائيليين يبدون تفاؤلًا بأن انتهاء الحرب قد يؤثر إيجابًا على القضية المتداولة في لاهاي.
وزعم مسئول إسرائيلي كبير مُطلع على التفاصيل، في تصريحات لموقع الصحيفة، أن "هذه القضايا غير مُبررة ورُفعت لأسباب خارجية"، مشيرًا إلى أن "الغموض يكتنف الاعتبارات والظروف المحيطة بإصدار أوامر الاعتقال".
ووصف إصدار مذكرات الاعتقال بأنه "وصمة عار في جبين المؤسسة بأكملها"، معقبًا: "القصة برمتها عار؛ لذلك - برأيي - سيبحثون عن فرصة للتراجع عن هذا النهج".
من جانبه، قال المحامي البريطاني الإسرائيلي نيكولاس كوفمان، الذي عمل محامي دفاع في الجنائية الدولية، إن الأنباء المتداولة عن اعتزام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرض عقوبات على المحكمة بأكملها ستكون بمثابة "مكافأة كبرى" لنتنياهو.
والشهر الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بالكامل، ردًا على التحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل.
وفي أوائل فبراير الماضي، وقع ترامب، أمرًا تنفيذيًا لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وأعلن "حالة الطوارئ الوطنية للتعامل مع التهديد الذي تمثله جهود المحكمة". وانتقد إصدار المحكمة أوامر الاعتقال.
واعتبر ترامب أن المحكمة انخرطت في "أعمال غير مشروعة ولا أساس لها"، مستهدفة الولايات المتحدة وحليفتها الوثيقة إسرائيل، و"ادعت -من دون أساس- اختصاصها على أفراد من الولايات المتحدة وبعض حلفائها، بما في ذلك إسرائيل".
ورأى المحامي بأن ترامب سيتبع الآن نهج "الترغيب والترهيب" وسيستخدم "فرض العقوبات" كورقة ضغط لضمان وفاء نتنياهو بالتزاماته في صفقة الرهائن.
لكنه شدد على أن السبيل الوحيد لإلغاء مذكرات الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو وجالانت هو صدور "قرار قضائي" بذلك.
أما صحيفة "جورزاليم بوست"، فرجحت ألا تنتهي القضايا المرفوعة ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، حتى لو انتهت الحرب وأُطلق سراح "الرهائن" الإسرائيليين في الأيام المقبلة.
وفي تقرير لها، نشر الخميس الماضي، استبعدت الصحيفة إلغاء مذكرات الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو وجالانت "كمكافأة لإنهاء الحرب".
ونوهت بأن "كل الدلائل تشير إلى أن الجنائية الدولية تحظى بالدعم الكامل من جانب مساهميها، الأوروبيين في الغالب، وهي تستعد لمعركة طويلة الأمد ضد إسرائيل، بغض النظر عن العواقب السياسية والمالية".
ولفتت إلى أن أفضل السيناريوهات في تلك الحالة مرتبط بإقناع الجنائية الدولية بعدم إصدار المزيد من مذكرات الاعتقال، والتي قد تشمل جنودًا من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
هل يُعتقل نتنياهو إذا غادر إسرائيل؟
من جانبه، شدد المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبدالله، على أن أوامر الاعتقال "لاتزال سارية المفعول، وتظل سارية المفعول، إلا إذا قرر قضاة المحكمة أنفسهم سحبها لو هناك سبب قانوني مقنع".
وأضاف في لقاء مع قناة "الجزيرة مباشر"، الأربعاء الماضي، أن هناك إجراءات استئنافية قدمتها إسرائيل، نافيًا وجود موعد محدد لصدور قرار بشأن تلك النقاط الاستئنافية، خاصة أن التحقيقات لاتزال جارية، وهي مشمولة بـ"السرية".
وأفاد بأن إسرائيل قدمت طلبًا بسحب تلك المذكرات، في ظل وجود أمور يجري النظر فيها من قبل دائرة الاستئناف، منوهًا أن "قضاة الدائرة التمهيدية رفضوا الطلب، ولذلك تظل المذكرات سارية المفعول في الوقت الحالي".
وأوضح أن "اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالنزاع مرتبط بانضمام دولة فلسطين إلى معاهدة روما"، قائلًا إن "فلسطين منحت المحكمة الاختصاص فيما يتعلق بالجرائم إذا ارتكبت على أراضيها أو من قبل مواطنيها ولو على أراضي دول أخرى".
ونوه بأن هناك 125 دولة ملزمة من الناحية القانونية بالتعاون مع المحكمة، بما في ذلك تنفيذ أوامر القبض على المشتبه بهم، مشددًا على أن "خروج نتنياهو من السلطة لا يعني سقوط مذكرة التوقيف".
وبسؤاله عما سيؤثر توقيع اتفاقية غزة على رؤية قضاة المحكمة لمذكرات التوقيف، أجاب: "القضاة يطبقون القانون، والأمر يعتمد على القواعد القانونية المعمول بها والأدلة الموجودة أمام القضاة، كل الاعتبارات السياسية لا يمكن إدخالها في النظر القانوني إلى مسألة معينة، ويجب أن نعزل ونحمي القضية القانونية من أي عمليات تسييس لضمان العدالة الحقة ومراعاة حقوق الجميع؛ المشتبه بهم والضحايا".
وفي سياق متصل، أشار إلى أن التهم الموجهة إلى نتنياهو تستند في الأساس على "استخدام التجويع كسلاح"، وتأتي في إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وليس جريمة الإبادة الجماعية.
وذكر أن "الإبادة الجماعية تتطلب أركانًا قانونية مختلفة وعددًا من الأفعال الإجرامية منها: القتل، ونقل الأطفال من جماعة إلى أخرى، وإثبات نية الإبادة الجماعية لجماعة معينة بسبب الاختلاف الديني أو العرقي أو الإثني أو غيرها".