ذكرى تحرير سيناء.. وثائق أمريكية تكشف لحظات الذعر الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر

عرضت فضائية “دي إم سي” فيلم وثائقي بعنوان “عملية عشب النيكل”، في ذكرى تحرير سيناء الـ 43، حيث تكشف وثائق أمريكية حديثة النشر تفاصيل جديدة ومثيرة حول الأيام الأولى لحرب السادس من أكتوبر، والهلع الذي تملك القيادة الإسرائيلية أمام التقدم المصري الساحق، والتدخل الأمريكي العاجل لإنقاذ حليفها من هزيمة محققة.
وفي السادس من أكتوبر عام 1973، صعق العالم بعبور الجيش المصري لقناة السويس واقتحام خط بارليف المنيع في ست ساعات فقط، محققًا انتصارات أولية مذهلة.
هذه الانتصارات، كما تظهر الوثائق الأمريكية، زرعت الرعب في صفوف الجيش الإسرائيلي، حيث ترك الجنود المذهولون مواقعهم والدبابات تحترق في سماء سيناء، وسط صيحات الإنذار التي لم تتوقف، ووصف المشهد بالكابوس الذي لم يتوقعه الإسرائيليون.
وتشير الوثائق إلى أن الولايات المتحدة تابعت عن كثب الحرب المشتعلة، ورصدت بدهشة الخسائر الإسرائيلية المتزايدة، فبعد ساعات قليلة من العبور، جرت مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وكبير موظفي البيت الأبيض ألكسندر هيغ، حيث بدا الارتباك واضحًا في واشنطن أمام التقدم المصري.
وفي التاسع من أكتوبر، أرسلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، غولدا مائير، نداءً يائسًا إلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، مطالبة بإنقاذ إسرائيل من الهاوية.
وتكشف وثيقة للخارجية الأمريكية تفاصيل اجتماع سري عقد في ذلك اليوم بين كيسنجر والسفير الإسرائيلي سيماش دينيتز، والملحق العسكري الإسرائيلي الجنرال مردخاي غور، حيث بدا القلق والتوتر الشديدين على وجوه الحاضرين.
إزاء هذا الوضع الحرج، أسرع كيسنجر إلى إطلاع الرئيس نيكسون على رسالة الاستغاثة الإسرائيلية. وبعد ساعات من المناقشات السرية، أبلغ كيسنجر السفير الإسرائيلي بقرار نيكسون بتزويد إسرائيل بكل احتياجاتها العسكرية بشكل عاجل، باستثناء القنابل الليزرية التي تحفظت عليها واشنطن في البداية.
ورغم هذا الدعم الأمريكي، لم يكن الرد فوريًا، حيث كانت الولايات المتحدة تنتظر أن تدافع إسرائيل عن نفسها أولًا. لكن مع تصاعد الخسائر الإسرائيلية وإصرار مصر على مواصلة القتال، أدركت واشنطن خطورة الموقف، حتى أن نيكسون اعترف بأن إسرائيل كانت على حافة هزيمة ساحقة ولم تعد قادرة على الصمود دون تدخل خارجي.
تحركت الولايات المتحدة على عجل لإنقاذ حليفتها عبر عملية "نيكل جراس" (عشب النيكل)، وهو جسر جوي ضخم تدفق عبره عشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة والذخائر والمعدات إلى تل أبيب، بدءًا من الرابع عشر من أكتوبر، واستمر هذا الجسر الجوي لمدة شهر كامل، متجاوزًا الحظر العربي والاعتراضات الأوروبية، ليُعيد تزويد إسرائيل بكل ما يلزمها.
وتشير الوثائق إلى أن هذه الإمدادات لم تكن مجرد شحنات عسكرية، بل كانت إعلانًا سياسيًا واضحًا بدعم واشنطن الكامل لإسرائيل. وقد تضاعفت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بنسبة 800% لتصل إلى 2.2 مليار دولار في حزمة إنقاذ استثنائية.
وفي المقابل، ومع استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية، كان العالم يشهد صعود مصر كقوة لا تُكسر. وفي اجتماعات سرية في واشنطن، اعترف المسؤولون الأمريكيون بالهزيمة التي لحقت بإسرائيل في الأيام الأولى للحرب.
بحلول نهاية أكتوبر، انتهت الحرب بوقف إطلاق النار، لكن مصر كانت قد حققت انتصارًا استراتيجيًا باستعادة أراضيها وفرض واقع جديد في الشرق الأوسط، حيث أدركت إسرائيل لأول مرة أن تفوقها العسكري ليس مطلقًا، ورغم التدخل الأمريكي العاجل، كانت الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن مصر قد انتصرت في تغيير معادلة القوة الإقليمية.
وفي نهاية المطاف، ورغم عملية "عشب النيكل"، بقيت الأرض مصرية والإرادة مصرية والنصر مصريًا، لتسجل حرب أكتوبر صفحة خالدة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.