الدكتور أحمد عبود يكتب: مستقبل الشرق الأوسط بيد مصر

كل المؤامرات التي تحيط بمصر من جميع الجهات الاستراتيجية هدفها الوحيد إسقاطها والسيطرة على قناة السويس والقضاء على الهوية المصرية وضمها إلى الدول المفككة. ولكن علينا أن نعرف جيدًا أن مستقبل الشرق الأوسط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يتحدد من خلال قدرة مصر على الحفاظ على جبهتها الداخلية ونسيجها الوطني، لأن مصر هي القلب النابض للأمة العربية، وهي التي يُقاس بها استقرار المنطقة أو اضطرابها.
ولعلنا لو تأملنا التاريخ جيدًا لوجدنا أن كل محاولات ضرب مصر كانت تهدف إلى كسر روحها قبل قوتها، فمصر حين تنهض تنهض الأمة كلها، وحين تتعثر يختل توازن الشرق الأوسط بأكمله. فالقضية ليست مجرد حدود أو مصالح آنية، بل صراع على هوية وحضارة تمتد لآلاف السنين. ومن هنا فإن الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية هو السلاح الحقيقي لمواجهة كل المؤامرات، فالوحدة بين الشعب ومؤسساته هي الحصن الذي لا يُخترق، والإيمان بأن قوة الدولة تبدأ من وعي أبنائها هو ما يجعل كل المخططات تفشل قبل أن تبدأ.
لقد أدرك العدو قبل الصديق أن مصر هي مفتاح المنطقة، ولذلك يسعى بكل وسيلة لزرع الفتنة وإشعال الخلافات وتشويه الرموز الوطنية وبث الإحباط واليأس بين الشباب، لأن تدمير الوعي أخطر من تدمير السلاح. ولكن الشعب المصري الذي واجه الغزاة عبر العصور يعرف متى يصبر ومتى يتحرك، ومتى تكون المعركة معركة وعي وليست معركة سلاح.
إن مستقبل الشرق الأوسط لن يُرسم في واشنطن أو تل أبيب أو أنقرة، بل يُرسم في القاهرة، حيث يُصاغ القرار العربي وتُوزن الموازين. فمصر تمتلك مفاتيح الاستقرار من خلال جيشها القوي وموقعها الجغرافي وقيادتها الواعية وشعبها الصامد الذي وإن اختلف في الرأي إلا أنه يتوحد حين يشعر بالخطر. ولذلك فإن الرهان الحقيقي ليس على الخارج، بل على الداخل، على الوعي الجمعي، على التعليم والإعلام والثقافة التي تصنع الإنسان القادر على حماية وطنه وفهم ما يُحاك له.
فمصر حين تحافظ على وحدتها تُفشل كل مخططات التقسيم، وحين تبني اقتصادها بإصرار تُسقط كل من أرادوا إضعافها، وحين تتمسك بهويتها تظل منارة للأمة ومركز ثقلها إلى الأبد. فمستقبل الشرق الأوسط لا يُكتب بالحروب، بل يُكتب بثبات مصر.
ومادام في مصر رجال ونساء يحملون في قلوبهم حب الوطن قبل أي شيء، فلن تُهزم أبدًا، ولن تنكسر مهما اشتدت المؤامرات أو تكالبت القوى. فهذه الأرض التي خرج منها الأنبياء والحكماء لا تعرف الركوع، وهذه الأمة التي علمت العالم معنى الحضارة لا يمكن أن تُساق كما يُساق الضعفاء. إننا اليوم أمام لحظة فاصلة في تاريخ المنطقة، لحظة تتصارع فيها المصالح، وتُرسم فيها خرائط جديدة، ولكن الثابت الوحيد في هذا المشهد هو أن مصر ستظل القاعدة التي يُقاس بها استقرار الشرق الأوسط كله.
لقد حاولوا محاصرتها من الجنوب باضطرابات مدروسة، ومن الغرب بفوضى مُصطنعة، ومن الشرق بنزاعات مفتعلة، لكنهم نسوا أن لمصر درعًا من الإيمان وسيفًا من الوعي، وأن جيشها العظيم ليس مجرد قوة عسكرية، بل عقيدة وطنية لا تعرف التهاون في حماية الأرض والعرض. وما دامت قناة السويس في يد المصريين، فسيظل شريان التجارة العالمية آمنًا، وستظل أعين الطامعين تتحسر على ما لن يملِكوه أبدًا.
إن مصر اليوم تقف على أعتاب نهضة جديدة، فبينما تنهار دول كانت تتباهى بالثراء، تُعيد مصر بناء ذاتها بالصبر والعمل، وتستعيد دورها الإقليمي بخطوات محسوبة. إن مشاريع البنية التحتية العملاقة، ومبادرات التنمية في الريف، والتوسع في الطاقة النظيفة، ليست مجرد إنجازات اقتصادية، بل هي رسائل للعالم بأن مصر تعرف طريقها جيدًا، وأنها تمضي نحو المستقبل بثقة.
وسيأتي اليوم الذي يدرك فيه الجميع أن مفتاح أمن الشرق الأوسط واستقراره لا يوجد في يد أحد سوى مصر، فهي التي تُوازن بين القوى، وتُطفئ نيران الفتن، وتجمع ولا تفرق. وحين يشتد الليل، تظل مصر هي الفجر الذي يبزغ من قلب التاريخ ليعيد للأمة نورها وكرامتها.
فلتكن رسالتنا واضحة: من أراد السلام فعليه أن يقف مع مصر، ومن أراد الدمار فليجرب الوقوف ضدها، لأن مصر ليست دولة عادية، بل قدر أزلي كتب الله له أن يكون قائد المنطقة وحارسها الأمين.

