هي وهما
هي وهما

آراء هي وهما

إبراهيم نصر يكتب: ليس دفاعا عن التصوف.. ولكن

-

التصوف هو “علم السلوك” أو “علم الباطن” أو “علم الأخلاق”، فهو ليس مذهباً جديدا مخالفا لأصول الدين، بل هو جوهر الدعوة المحمدية، والمتمم لمقاصد الشريعة.
وإذا كان الفقه يعتنى بكيفية أداء العبادات الظاهرة، فإن التصوف هو العلم الذي يعتنى بكيفية إحياء الروح في هذه العبادات، وتحقيق مقام “الإحسان” الذي عرفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.
وعلى ذلك نستطيع القول: إن التصوف في صورته الأصيلة هو منهج الأخلاق العالية والتربية الروحية، وليس الطقوس الغريبة. وحقيقة التصوف التي اتفق عليها كبار ئمته، من الجنيد البغدادي إلى أبي حامد الغزالي،هي:
“صدق التوجه إلى الله”. والتصوف هو وسيلة لتحقيق مقاصد عليا، هدفها الأول: إزالة الرذائل الباطنة كالحسد، والكبر، والرياء، والعجب، وغرس الفضائل كالإخلاص، والتواضع، والصدق، واليقين. وهذا المنهج الأخلاقي هو ضرورة لكل مسلم.
والتصوف لا يدعو إلى ترك الدنيا، ـ كما يعتقد البعض ـ بل يدعو إلى “زهد القلب فيها”، واستخدامها كوسيلة لا غاية، والتحرر من عبودية المال والمنصب، ليصبح العبد حرا بعبوديته الخالصة لله. وهو يقوم على قاعدة حب الله ورسوله، وترجمة هذا الحب إلى رحمة بالخلق. فالصوفي الحق هو أكثر الناس خدمة للفقراء، وعطفا على الضعفاء، وتسامحا مع المخالفين.
وللأسف الشديد، يواجه المنهج الصوفي نقدا لاذعا ذات جهل من بعض التيارات المتسلفة وغيرها، ممن يستعلون على الخلق، ويدعون أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم.
ويمكن تلخيص اعتراضاتهم في نقطتين اثنتين، ونرد عليهما بفضل الله وتوفيقه:
1. يزعم المخالفون أن التصوف بدعة، لأنه لم يكن موجوداً بهذا الاسم في زمن الصحابة. وأن ممارساته لم ترد في السنة النبوية الصحيحة.
ونرد على ذلك بالقول: إن تسمية “التصوف” ظهرت لاحقاً، لكن الجوهر والمضمون (الزهد، المراقبة، المجاهدة، التهذيب) كان هو منهج الصحابة والتابعين. فهل يعقل أن ننكر “علم النحو” أو “علم أصول الفقه” لعدم وجودهما بهذا الاسم في العهد النبوي؟ فالتصوف هو “علم” يضع القواعد لتهذيب النفس، كغيره من العلوم الشرعية.
2. يركز المنكرون على الممارسات المنحرفة التي ظهرت في بعض الطرق المتأخرة.
ونرد على ذلك بأن المنهج الصوفي الأصيل لا ينكر وجود هذه الانحرافات. بل إن أئمة التصوف الحقيقيين هم أول من تصدى لها. فقد قام علماء ـ منهم الإمام الغزالي ـ بمراجعات نقدية شاملة لهذا المنهج، وأعلنوا البراءة من كل شطح أو غلو أو خرافة. فلا يصح الحكم على شجرة كاملة بالجفاف وندعو لقطعها، لوجود فروع ذابلة فيها. فالانحرافات هي شوائب دخيلة ومخالفة لمنهج أئمة التصوف، الذين قالوا: “إذا رأيت الصوفي قد خرج عن الشرع، فاعلم أنه شيطان”.
ونخلص مما سبق إلى أن التصوف الأصيل هو منهج أخلاقي يقوم على التزام مطلق بالكتاب والسنة، وهو قوة روحية تساند المجتمع في أوقات الشدائد. ولا ينبغى الحكم على منهج كامل بجريرة بعض الممارسات الفردية المنحرفة. فإذا أردنا بناء مجتمع متماسك، فنحن بحاجة إلى قوة الفقه لضبط الظاهر، وقوة التصوف لتهذيب الباطن، لنجتمع جميعاً على هدف واحد هو: عبادة الله على الوجه الذي يرضيه.
[email protected]