هي وهما
هي وهما

آراء هي وهما

إبراهيم نصر يكتب: تصرف حكيم من الأوقاف.. ولكن (2/2)

-

فى ختام مقالى السابق قلت: حتى نضمن قيام الإمام بدوره، ينبغى أن نؤمن له معيشته، ونحسن دخله المادى جنبا إلى جنب الاهتمام بتحسين مستواه العلمى، حتى لا نرى من الأئمة سائق توكتوك، أو عامل فى حقل، أو نقاش أو مبيض محارة أو مبلط سيراميك، وذلك تحت ضغط الحاجة وقلة الدخل من الوظيفة.

وقد ذكرت هذه الأعمال على وجه التحديد، لأنى أعلم بالفعل من يمارسها من أئمة المساجد، وخاصة فى الأقاليم وفى أطراف المدن الكبرى، وكلها أعمال شريفة ومحترمة ولكنها تؤثر بالضرورة على مستوى تحصيل الأئمة وإعدادهم الجيد لخطبة الجمعة والدروس المفترض أن يواظبوا عليها فى مساجدهم، وغالبا ما يتهربون منها لئلا تؤثر على عملهم الإضافى المضطرين له لسد احتياجات أسرهم.

واستحسنت موقف وزير الأوقاف من طالب الثانوى الأزهرى الذى تطاول على الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، بألا نقسو عليه، بل نعلمه ونوجهه، إلا أن هذا التطاول ومثله كثير نتعرض له كل عام مع حلول شهر ربيع الأول، ويتجدد الجدل حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وبينما يرى ملايين المسلمين في هذا الاحتفاء فرصة للتعبير عن حبهم وتقديرهم للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرفع آخرون راية التحريم، معتبرين إياه "بدعة" لم يفعلها السلف الصالح.

ويقينى أن وزير الأوقاف العالم الجليل الدكتور أسامة الأزهرى الذى أكن له كل احترام وتقدير، يدرك تمام الإدراك أن هذا الجدل، الذي قد يبدو بسيطا في ظاهره، يحمل في طياته أبعادا فقهية واجتماعية عميقة، ويستدعي منا نظرة فاحصة قائمة على الإنصاف والفهم لا على التشنج والإنكار.

ولا تألو وزارة الأوقاف جهدا فى دحض حجة المانعين التى تقوم على مبدأ أساسي في الفقه الإسلامي، وهو أن كل عبادة لم يفعلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا صحابته هي "بدعة"، وكل بدعة ضلالة. وهم يستندون إلى أن الاحتفال بالمولد بهذا الشكل لم يكن معروفاً في القرون الثلاثة الأولى المفضلة. ومن هذا المنطلق، يرون أن إحداث هذا الاحتفال هو إضافة على الدين لا دليل عليها، وبالتالي فهي مردودة.

وضمن متابعاتى لمحاضرات الدكتور أسامة الأزهرى المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعى، أعجبنى جدا توضيحه أن كلمة "كل" لا تعنى العموم والشمول فى كل الأحوال، وأشار فى هذا المقام إلى كتاب لم أسمع عنه من قبل، وهو كتاب: "أحكام كل وما عليه تدل"، لتقي الدين أبى الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي.

واستعرض الدكتور أسامة بعض الأمثلة التى توضح وتقطع بأن كلمة "كل" ليس بالضرورة تفيد العموم، وبذلك لا تكون كل بدعة ضلالة،.

وقد ذهب العلماء إلى أن البدعة ليست على درجة واحدة، وأن هناك "بدعة حسنة" إذا كانت مندرجة تحت أصول عامة للشريعة، وتخدم مقاصدها. فالاحتفال بالمولد النبوي ليس عبادة مستقلة بذاتها، وإنما هو وسيلة للتذكير بسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشمائله، ومعجزاته، والتحريض على الاقتداء به.

ودعونى أنتهز هذه الفرصة لمناشدة السيد وزير الأوقاف بإعادة طباعة هذ الكتاب القيم الذى ما زلت أبحث عنه لأقتنيه، رغم أنه موجود على شبكة المعلومات بصيغة الـ "بى دى إف" لكن القراءة من الكتاب الورقى لها مذاق خاص، فهل يستجيب السيد الوزير ويعيد طباعة الكتاب، ويتم توزيعه بالمجان على الأئمة والخطباء أو بسعر التكلفة، ويمكن التنسيق مع صحيفة "عقيدتى" أو مجلة "الأزهر" لتوزيعه كهدية للقراء.
[email protected]