هي وهما
هي وهما

آراء هي وهما

محمد موسى يكتب: مصر.. السدّ الأخير: لماذا أصبحت القاهرة هدفًا لحرب اقتصادية خفية؟

-

في ظل ما يشهده الواقع الإقليمي من تحولات متسارعة، أصبحت مصر في قلب العاصفة، تتعرض لضغوط اقتصادية متكررة، وهجمات إعلامية منظمة، وتشكيك دائم في قدراتها، وكأن هناك من يسعى بكل الوسائل إلى إضعاف الدولة المصرية من الداخل.

فهل ما يحدث مجرد أزمة اقتصادية كباقي دول العالم؟
أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى مخطط أوسع تقف خلفه قوى كبرى، تسعى لضرب مصر لأنها تمثل الحاجز الأخير أمام تنفيذ مشروع تقسيم المنطقة العربية لصالح الصهيونية العالمية والمخططات الماسونية القديمة؟

مصر ليست دولة عادية:

مصر ليست مجرد دولة ذات تعداد سكاني ضخم أو موقع جغرافي متميز، بل هي الركيزة الأساسية للأمن القومي العربي، وصاحبة التاريخ الأعمق في قيادة المنطقة سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا.
• جيشها هو الأقوى عربيًا، والأكثر تنظيمًا وخبرة.
• تتحكم في أهم ممر مائي في العالم: قناة السويس.
• تُمسك بعدة ملفات إقليمية معقدة: ليبيا، السودان، غزة، ملف المياه في إثيوبيا.
• وتمثل رمانة الميزان في معادلة الشرق الأوسط.

لهذا السبب، فإن إضعاف مصر – وفقًا لنظريات واستراتيجيات عدة – يعد خطوة أساسية لتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي يخدم مصالح قوى خارجية، على رأسها إسرائيل واللوبي الصهيوني، وبتنفيذ منظم عبر أدوات اقتصادية وإعلامية وأيديولوجية.

مخطط برنارد لويس… وتقسيم المنطقة

يعود أصل الخطة إلى المفكر والمستشرق الصهيوني برنارد لويس، الذي طرح في ثمانينيات القرن الماضي مخططًا لتقسيم الدول العربية والإسلامية إلى كيانات صغيرة وضعيفة، على أسس طائفية وعرقية ومذهبية.

وقد حصل هذا المخطط على دعم من مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، وظهر جليًا في تحركات عدة بالمنطقة:
• تقسيم السودان،
• ضرب العراق،
• إنهاك سوريا،
• إضعاف ليبيا،
• ودفع اليمن إلى الهاوية.

لكن مصر ظلت العائق الأكبر أمام تنفيذ هذا المشروع، بسبب مركزيتها، وقوة مؤسساتها، وتماسك نسيجها الاجتماعي رغم التحديات.

ومن هنا، يُطرح السؤال:
هل بدأت الحرب على مصر تأخذ شكلًا جديدًا؟ حرب اقتصادية ناعمة، بأدوات مالية وإعلامية، بدلًا من الدبابات والطائرات؟

أدوات الحصار الاقتصادي: كيف يتم خنق مصر؟

تشير تقارير ومؤشرات عدة إلى أن مصر تتعرض لما يمكن وصفه بـ”الحصار الاقتصادي غير المعلن”، عبر أدوات متعددة، منها:

1. ضغوط المؤسسات الدولية:

• شروط قاسية من صندوق النقد الدولي، مما يخلق ضغطًا اجتماعيًا داخليًا.
• تقارير متكررة تُبرز الاقتصاد المصري في صورة قاتمة، وتؤثر على قرارات المستثمرين العالميين.

التلاعب بأسواق العملات:
• ترويج شائعات وتسريبات عن انهيار محتمل للعملة المحلية.
• مضاربات خارجية على الجنيه المصري ترفع سعر الدولار بشكل مصطنع.

استهداف السياحة والاستثمار:

• نشر تقارير أمنية مضخمة في الإعلام الغربي.
• ربط مصر الدائم بانتهاكات حقوق الإنسان لتقليل الثقة الدولية.

الضغط على حلفاء مصر الإقليميين:

• ممارسة ضغوط غير مباشرة على بعض دول الخليج لتقليل دعمها الاقتصادي للقاهرة.
• ربط المساعدات بشروط سياسية تتعارض مع السيادة المصرية.

الصهيونية وإسرائيل… المستفيد الأول

كلما ضعفت مصر، تمددت إسرائيل.

هذه المعادلة البسيطة باتت مفهومة للجميع.
إسرائيل ترى أن بقاء مصر قوية ومستقرة يعني فشل مخططاتها الإقليمية، سواء في:

• توسيع نفوذها باتجاه سيناء أو غزة.
• فرض “صفقة القرن” دون مقاومة.
• استمرار حالة الانقسام العربي لإضعاف أي جبهة موحدة.

وفي المقابل، فإن مصر هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تمسك بخيوط التوازن، سواء عبر جيشها، أو جهازها الدبلوماسي، أو نفوذها الإقليمي.

الدور الماسوني… إعادة تشكيل الوعي

الماسونية ليست مجرد طقوس سرية أو شعارات، بل منظومة فكرية واقتصادية وثقافية، تسعى إلى تفكيك القيم، وتدمير الهوية الدينية والوطنية، واستبدالها بهوية استهلاكية عالمية تخدم مصالح الشركات الكبرى والنظام العالمي الجديد.

وتستخدم الماسونية أدوات ناعمة:
• إعلام موجه.
• تمويل منظمات مجتمع مدني بشعارات الحرية والانفتاح.
• دعم أفكار تسعى إلى زعزعة الثوابت الدينية والثقافية.

والملاحظ أن هذه الأدوات تُستخدم بكثافة في مصر، لضرب الاستقرار الاجتماعي من الداخل، بعد فشل محاولات إسقاط الدولة بالقوة.

الخلاصة: مصر تواجه حربًا من نوع مختلف

ليست مصر اليوم ضحية أزمة اقتصادية فقط،بل هي في مواجهة حرب اقتصادية نفسية إعلامية مركبة، تشارك فيها أطراف دولية تسعى إلى كسر إرادتها، وإجبارها على التراجع عن دورها الإقليمي.

لكن رغم كل الضغوط، تظل مصر الدولة العربية الوحيدة التي لم تسقط، ولم تُقسَّم، ولم تُسلّم مفاتيح قرارها السيادي لأي قوة خارجية.

ولهذا – وببساطة – هي العائق الأخير،
هي السد المنيع،
هي آخر أمل في أن تبقى هذه الأمة موحدة… مهما كانت التحديات.

كلمة أخيرة:

إن إدراك حجم المخطط، وقراءة المشهد بدقة، أصبح ضرورة لا رفاهية.
فإذا كان أعداؤنا يعرفون تمامًا من نحن، ويستهدفوننا بمنهجية شديدة،
فالأولى بنا أن نعرف أنفسنا، ونفهم معركتنا، ونتكاتف خلف وطنٍ لا يزال يحمل لواء الأمة رغم الضغوط.