الدكتورة هبة عادل تكتب: القاهرة في مواجهة الاحتلال.. كيف يرسم الاستيطان خريطة ”إسرائيل الكبرى”؟

في بيان رسمي شديد اللهجة أكدت مصر رفضها التام لإعلان وزير المالية الإسرائيلي الموافقة على بناء 3400 وحدة استيطانية جديدة في محيط القدس الشرقية المحتلة. هذه الخطوة ليست مجرد توسع عمراني وإنما فصل جديد في مخطط إسرائيل الكبرى الذي يستهدف ابتلاع الأرض الفلسطينية وفرض واقع ديموغرافي وجغرافي جديد يمهد لتصفية القضية الفلسطينية.
من منظور عسكري يمثل التوسع الاستيطاني جزءا من استراتيجية طويلة المدى للسيطرة على الأرض من خلال احتلال ناعم يسبق الترسخ العسكري الكامل. إقامة تجمعات استيطانية ضخمة في مواقع استراتيجية مثل محيط القدس يمنح إسرائيل القدرة على إحكام الطوق الأمني حول المدينة وتقطيع أوصال الضفة الغربية إلى جيوب معزولة يسهل السيطرة عليها. هذه التجمعات يمكن تحويلها إلى قواعد انطلاق للقوات الإسرائيلية وتأمين ممرات لوجستية متصلة بين المستوطنات والمنشآت العسكرية.
أهداف مخطط إسرائيل الكبرى تتمثل في السيطرة الجغرافية عبر ضم المناطق الحيوية وقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني وتغيير الهوية السكانية بخلق أغلبية يهودية في مناطق مختلطة لدعم المطالب المستقبلية بالضم وإضعاف السلطة الفلسطينية بعزل مراكزها الإدارية وتجريدها من القدرة على الإدارة والمقاومة إضافة إلى فرض واقع أمني لا رجعة فيه يجعل أي انسحاب إسرائيلي مكلفا أو مستحيلا.
مصر شددت على أن هذه السياسات الأحادية تقوض أي فرصة للتسوية السياسية العادلة وتتعارض بشكل مباشر مع الجهود الإقليمية والدولية لإحياء عملية السلام. التحذير المصري يعكس فهما استراتيجيا بأن استمرار الاستيطان يرسخ بؤر صراع دائمة تهدد الأمن القومي العربي لعقود قادمة.
التحليل العسكري يؤكد أن التوسع الاستيطاني يخلق قوس سيطرة يمتد من غور الأردن إلى البحر المتوسط ما يمنح إسرائيل تفوقا استراتيجيا في أي مواجهة مستقبلية ويتيح لها التحكم في المعابر والنقاط الحيوية وتحويل المستوطنات إلى حصون وقواعد خلفية قادرة على شن هجمات مفاجئة أو فرض حصار طويل الأمد.
مصر التي تمتلك خبرة تاريخية في الصراع مع إسرائيل وفهما عميقا لاستراتيجياتها أرسلت رسالة واضحة مفادها أن أمن المنطقة يبدأ بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان لا بتوسيعه وأن أي محاولة لفرض إسرائيل الكبرى على أرض الواقع ستظل مرفوضة وأن القاهرة ستبقى في الصفوف الأمامية دفاعا عن الحقوق الفلسطينية باعتبارها قضية أمن قومي من الدرجة الأولى.