هي وهما
هي وهما

آراء هي وهما

إبراهيم نصر يكتب: ورطة ”الهلالي” ـ أخيرة

-

الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف متورط أيضا فى قاعدة أو مقولة ابتدعها لا أجد لها سندا شرعيا، وهى تكرار قوله فى البرنامج الذى يستضيفه أسبوعيا: "كل إنسان سيد" ، ولأن مقدم البرنامج ثقافته الدينية ضحلة، فهو يوافقه ببلاهة فجة على ما يقوله، دون استيضاح عاقل، أو استفسار بديهى لما يطرحه من أفكار أو مقولات شاذة وغريبة.
ويستند الهلالى فى مقولته: إن كل إنسان سيد قراره، بقول الله تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه"، مستنكرا تحدث العلماء بصفة الجمع وباسم الشعب، فعنده لا يتحدث باسم الشعب سوى الشعب، بل من حق الشعب "السيد على الدين" من وجهة نظر الهلالى أن يراجع كلام الله فى المواريث، فإذا اتفق الشعب على مساواة الرجل بالمرأة فى الميراث الذى فرضه الله وقدرة، ليكن للشعب ما أراد كما حدث فى تونس.
هيهات هيهات يا هلالى أن يحدث فى مصر مثلما حدث فى تونس، ولا فى غيرها، إذا كان لا يوافق الشرع الحنيف، ولم يقره الأزهر الشريف.
أما قول الله تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه.." قال ابن عباس: عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان. وقال الكلبي ومقاتل: خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسبه به، وعن مجاهد: ما من مولود إلا في عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد.
فأين السيادة التى يقصدها الهلالى فى تلك المعانى التى ذكرها علماء أجلاء لا يدانيهم فى التقى والورع ولا يبلغ نعالهم أهل الهوى والغرض.
فالتقرب إلى الله غاية المسلم، كل على طريقته الخاصة، وليس بمعنى السيادة التى يقصدها الهلالى، وإنما بمعنى أن من الناس من يتقرب بالصلاة وآخر بالصوم وغيره بالزكاة، وغيره بالأعمال الصالحة، ولكن يسعى الجميع إلى معرفة مفتاح القرب من الله، لنيل الرضا والثواب الكامل والفضل من الله عز وجل.
وإذا كان من سيادة للإنسان فى اتخاذ قراره المصيرى الذى يحدد مثواه فى الآخرة، فهو اختياره للكفر بالله أو الإيمان به: "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" [الكهف:29]، بل إن بعض علماء التفسير يرون أن الأمر فى "فليؤمن و"فليكفر" للتهديد، والتحذير، وليس المراد الإذن، لأن هذا معروف من الشرع بالنص والإجماع أنه ليس لأحد الإذن في المعاصي، ولا معصية أشد وأكبر من الكفر بالله.
ولو اعتبرنا أن اختيار العبد للإيمان أو الكفر نوع من السيادة، فإن هذه السيادة تنتفى تماما مع اختيار الإيمان بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فيصير عبدا ذليلا إلى الله تعالى يتبع أوامره ويجتنب نواهيه ويلتزم بموجبات هذا الإيمان ويبتعد عن نواقضه، ولكن العبودية لله تختلف تماما عن عبودية البشر للبشر، وهذا ما يؤكده إمام الدعاة فضيلة الشخ محمد متولى الشعراوى ـ عليه رحمة الله ـ فيقول: إن العبودية لله تختلف تماما عن المفهوم البشري المشوه، فهي ليست تبعية تضعف الإنسان، بل هي عزة تمنحه القوة والكرامة، فالعبودية لله هي تبعية لكريم يعطيك، كلما ازدادت عبوديتك زاد الله في عطائه، ومن أشعاره المشهورة التى كان يرددها كثيرا:
حسبُ نفسي عزًّا بأني عبدٌ
يحتفي بي بلا مواعيد ربُّ
هو في قُدسه الأعزِّ..
ولكن أنا ألقى متى وأين أحبُ
ومن أشعارالإمام الشافعى:
إذا حارَ أمرُكَ في مَعْنَيَيْن
ولم تدرِ حيثُ الخَطَا والصَّوابُ
فخَالِفْ هَوَاكَ فإنَّ الهوَى
يقودُ النفوسَ إلى ما يعاب
مازال فى الجعبة الكثير من ورطات الهلالى التى رده فيها علماء أفاضل ثقات، ولكنى سأكتفى بذلك، لملاحقة أحداث أخرى أهم بكثير من ملاحقة سقطات عالم أزهرى أتلفه الهوى، ولفظه أقرانه.. بل طلابه.
[email protected]