معتزة مهابة تكتب: إشكالية الإعلام المصري

إشكالية الإعلام المصرى تكمن من وجهة نظرى المتواضعة فى الخلط ما بين دور إعلام الدولة و الإعلام الخاص و عدم وضوح دور كل منهما..
فإعلام الدولة هو صوتها و هو المسؤول عن التوعية و التثقيف و الإرتقاء بالذوق العام بمعايير و إختيارات دقيقة لما يقدمه على شاشته من مواد تثقيفية و ترفيهية و درامية كما انه منوط بدور غاية فى الخطورة وهو الحفاظ على أمن و سلم المجتمع..
أما الإعلام الخاص فيحركه رأس المال و مصالح القائمين عليه و بالتالى يتم وضع الخريطة البرامجية بما يتناسب مع هذه المصالح المحسوبة فى المقام الأول بمنطق الربح و الخسارة المادية.. كما أن المعايير المهنية فى إختيار مذيعيه تختلف تماما عن معايير التلفزيون الرسمى الذى يعتمد فى المقام الأول على الخلفية الثقافية للمذيع و مظهره الذى يتناسب مع مختلف فئات المجتمع المصرى و طبقته المتوسطة و هى الغالبة فى المجتمع...
فنجد للاسف عندما يتكلم القائمون على التلفزيون الرسمى عن ملف التطوير يتكلمون من منطلق منافسة مع القطاع الخاص و هذا خطأ فادح..و نتج عن هذا الخطأ غياب برامج غاية فى الأهمية بالنسبة لتشكيل وجدان و فكر المجتمع مما يساعده على مواجهة تحديات و مخاطر محاولة تغيير هويته..
إن هذه المكونات التثقيفية و التوعيية هى جزء أصيل من مكونات الأمن القومى المصرى..و بدلا من هذه البرامج الهادفة اصبحنا نستورد مجموعة من الافكار المستوحاه من البرامج الغربية و التى تفتقر افتقارا شديدا لأي قيمة حقيقية بل أصبح تأثيرها تأثيرا سلبيا على تكوين و مفاهيم الأطفال و الشباب حيث تم من خلال تلك البرامج ترسيخ مفهوم الشهرة و الثراء السريع دون إي إعتبار لقيم المجتمع..
و فى المقابل نجد غيابا تاما للقدوة من العلماء و الباحثين و المخترعين و الفلاحين و الشباب المكافح و النماذج التى تمتلك قصص كفاح تشجع الشباب و تحفزه على الإنتماء و الإنتاج و العمل و التمسك بمستقبل مشرق..
كما نلحظ أيضا غياب مجتمعات المحافظات و القرى عن الخريطة البرامجية للإعلام المصرى فبات هذا الجزء من الوطن منفصل و لا أحد يناقش إحتياجته و مشاكله إعلاميا.. و أقترح هنا وجوب وجود نشرة إخبارية خاصة بالمحافظات على شاشة القناة الأولى و عمل برنامج بمفهوم مراسلون فى المحافظات يستعرض إسبوعيا مجموعة من التقارير تعكس كل جوانب الحياة فى المحافظات و القرى بجانبيها الإيجابى و السلبى..
كما أن واحدة من أهم إشكاليات الإعلام المصرى ظهور ما يسمى " بالزعامة الإعلامية" و هو مفهمم أختلط فيه دور المذيع بدور السياسى و الواعظ و وكيل النيابة فأختفت تدريجيا أخلاقيات المهنة و حدث إرتباك واضح لدى المشاهد و المستمع.. مما يستدعى عودة المعايير المهنية مرة أخرى و الإلتزام بها و تطبيقها بصرامة..
و حقيقة الأمر أننا نحتاج إلى منهج إعلامى و رؤية أستراتجية تكون بمثابة حائط الصد الواقى من أية مخاطر تهدد الأمن القومى و تعيد للمجتمع قيمه التى تاهت وسط متغيرات عالمية و إقليمية متلاحقة اثرت علينا بشكل مباشر و غير مباشر.. مثل إزدياد العنف و إرتفاع معدلات الجريمة وإزدياد معدلات الطلاق و التفكك الأسرى و تدنى لغة رجل الشارع وإنتشار المخدرات.. كما أن هويتنا و تراثنا و تاريخنا أصبح مسألة مبهمة و غير واضحة للأجيال الجديدة مما يخلق أجيال غير منتمية و بعيدة عن قضايا وطنها..
لقد أدركت كثير من الدول والأنظمة أهمية وسائل الإعلام، فأولتها اهتماما خاصا حتى تعبر عن سياستها الخارجية وتسوق لأفكارها وثقافتها بدلا من ترك أخرون يلعبون هذا الدور من خلال مصالحهم التى تتعارض فى الأغلب مع مصالح الدولة لكنهم إستطاعوا من خلال حرفيتهم إستقطاب المتلقى المصرى..إن عدم وضوح الرؤية و الأهداف جعلت المشاهد المصرى ينتقد بشراسة وسائل إعلامه و يتهمها بعدم المصداقية لأنها تعمدت تهميشه بل وفى أحيان خداعه..