هي وهما
هي وهما

خارجي وداخلي

معلومات الوزراء: توقعات بزيادة نمو سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع السياحة العالمي

-

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً سلط من خلاله الضوء على دور الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي للنمو والابتكار في السياحة العالمية، مستعرضاً أبرز تطبيقاته، وتحدياته، وتأثيراته المستقبلية على الفاعلين في هذا القطاع الحيوي.

وأشار التقرير إلى أن السياحة تؤدي دورًا حاسمًا في العديد من الاقتصادات في جميع أنحاء العالم؛ إذ تقدم العديد من الفوائد؛ فهي تعزز الإيرادات الاقتصادية، وتخلق فرص عمل، وتطور البنية التحتية، وتعزز التبادل الثقافي بين الزوار والسكان المحليين، ومع مرور الوقت تطورت عادات السياحة والمسافرين، لدرجة أصبح معها الذكاء الاصطناعي الآن جاهزًا لإحداث ثورة في هذه الصناعة.

وفي ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، برز الذكاء الاصطناعي كإحدى الأدوات البارزة التي تُعيد رسم ملامح القطاعات الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها قطاع السياحة. فقد أصبحت التقنيات الذكية، مثل (تحليل البيانات الضخمة، وتعلم الآلة، والمساعدات الرقمية، وتطبيقات التنبؤ)، عناصر محورية في صياغة تجارب سياحية أكثر تخصيصًا وكفاءة. ومع تنامي توقعات المسافرين وتزايد المنافسة بين الوجهات السياحية، بات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ضرورة استراتيجية لتعزيز التميز التشغيلي، وتحسين الخدمات، ودعم اتخاذ القرار.

وأوضح التقرير أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم من أبرز محركات التغيير والابتكار في صناعة السياحة على مستوى العالم، ومع تصاعد تطلعات المسافرين نحو تجارب أكثر تخصيصًا وسلاسة، برزت تطبيقاته كأداة فعالة لتحسين جودة الخدمات، وزيادة كفاءة العمليات، ودعم قرارات كل من مقدمي الخدمات السياحية والمسافرين؛ مما أسهم في تعزيز نمو القطاع عالميًّا. وقد قُدِّر حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع السياحة بنحو 3,37 مليارات دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 13,87 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 26.7% خلال الفترة من 2025 إلى 2030.

وأصبحت منصات السفر والسياحة تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات فورية من خلال عدة تطبيقات تعكس اهتمامات واحتياجات كل مسافر على حدة. وتتنوع هذه التطبيقات كما يلي:

1- تخصيص تجارب السفر وفق الاحتياجات: يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحديد تجارب سفر مصممة بشكل خاص لتلبية تفضيلات واحتياجات المسافرين. ومن خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات المستقاة من على الإنترنت، والتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي، والسلوكيات السابقة، يتمكن الذكاء الاصطناعي من تقديم توصيات دقيقة بشأن الوجهات، والأنشطة، والفنادق، والمطاعم؛ بما يتماشى مع ميزانية كل مسافر وتطلعاته.

2- تحسين إدارة الوجهات السياحية: تُعَد الإدارة الذكية للوجهات السياحية عنصرًا محوريًّا في ضمان تقديم تجارب متميزة للسياح. وفي هذا السياق، يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًّا في جمع وتحليل البيانات الفورية المتعلقة بتدفقات السياح، وحالة الطقس، وتوافر وسائل النقل. وتتيح هذه التحليلات لصناع القرار في الوجهات السياحية اعتماد سياسات فعالة للحد من الازدحام وتحسين جودة الخدمات المقدمة للسياح.

3- المساعدة في التسعير الديناميكي للخدمات: تُوفر تقنيات الذكاء الاصطناعي أدوات فعالة لشركات السياحة من أجل تحليل أنماط الحجز السابقة، وطلب السوق، بالإضافة إلى المتغيرات الخارجية مثل الطقس والفعاليات. ومن خلال تطبيق استراتيجيات التسعير الديناميكي، تصبح الشركات قادرة على تعديل الأسعار في الوقت الفعلي؛ ما يُمكِّنها من تعظيم الإيرادات ورفع معدلات الإشغال في الفنادق.

4- تحسين خدمة العملاء: تُعَد خدمة العملاء عالية الجودة من العوامل الأساسية لضمان رضا المسافرين وتعزيز ولائهم. وقد أحدثت تقنيات الدردشة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحولًا كبيرًا في طرق تواصل الشركات مع عملائها؛ إذ توفر استجابات سريعة ومخصصة للاستفسارات الشائعة، وتُسهل عمليات الحجز، وتُقدم دعمًا مستمرًا في أثناء الرحلة. كما تُسهم أنظمة التوصية القائمة على الذكاء الاصطناعي في عرض اقتراحات سفر مخصصة؛ ما يساعد المسافرين على اكتشاف وجهات جديدة تتماشى مع اهتماماتهم.

5- محاكاة تجربة السفر: تُمكِّن تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي من محاكاة تجربة السفر ومنح المستخدمين فرصة استكشاف الوجهات قبل زيارتها فعليًّا. وتتيح هذه التقنيات جولات افتراضية وخرائط تفاعلية تساعد المسافرين على تقييم مدى رغبتهم في زيارة وجهة معينة، وتجربة عدد من الخيارات قبل اتخاذ قرارهم النهائي.

6- التعامل الذكي مع الأمتعة: يمتد دور الذكاء الاصطناعي في قطاع السفر والسياحة ليشمل مجالات أمنية حيوية، مثل تفتيش الأمتعة والحفاظ عليها؛ إذ يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في فرز الأمتعة بكفاءة عليا؛ مما يقلل من معدلات الخطأ التي قد تؤدي إلى فقدانها. كما يُوظَّف الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإجراءات الأمنية داخل المطارات؛ إذ تقوم الأنظمة الذكية بمسح صور الأمتعة تلقائيًّا للكشف عن المواد المحظورة. وفي حال اكتشاف عناصر مشبوهة، يتم تفعيل نظام تنبيه فوري يلفت انتباه موظفي الأمن لاتخاذ الإجراءات اللازمة بسرعة ودقة.

ورغم أن دمج الذكاء الاصطناعي في تجارب السفر والسياحة يُعَد خطوة أساسية لدعم النمو والابتكار في القطاع، فإنه يطرح العديد من التحديات التي قد تواجه السياح والمسافرين، ويمكن توضيحها على النحو التالي:

1- مخاوف اختراق الخصوصية وأمن البيانات: يُثير الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في قطاع السياحة تساؤلات حيوية بشأن خصوصية البيانات وأمنها؛ نظرًا لاعتماده على جمع وتحليل كميات ضخمة من المعلومات الشخصية للمستخدمين. وتُعَد حماية هذه البيانات مسألة أساسية للحفاظ على ثقة العملاء وضمان الامتثال للتشريعات الدولية مثل اللائحة العامة لحماية البيانات وقوانين حماية البيانات المحلية؛ مما يستدعي تطوير آليات صارمة للحوكمة الرقمية وإدارة البيانات.

2- الاعتماد المُفرِط على التكنولوجيا وفقدان الطابع الإنساني: رغم ما توفره تقنيات الذكاء الاصطناعي من كفاءة وسرعة في تقديم الخدمات، فإن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى تآكل العنصر الإنساني في تجربة السفر. فالعديد من المسافرين ما زالوا يُفضلون التفاعل البشري والخدمة الشخصية، خاصة في السياقات التي تتطلب تعاطفًا أو تفهُّمًا خاصًّا، وهي أبعاد يصعُب على أنظمة الذكاء الاصطناعي محاكاتها بالكامل.

3- محدودية الذكاء الاصطناعي في التعامل مع الحالات المُعقَّدة: يتميَّز الذكاء الاصطناعي بفاعلية عالية في أداء المهام الروتينية والمحددة، إلا أنه يواجه تحديات واضحة عند التعامل مع استفسارات السفر غير النمطية والمعقدة، والتي تتطلب مرونة فكرية وحكمًا بشريًّا دقيقًا. وهو ما يفرض ضرورة الجمع بين قدرات الذكاء الاصطناعي وخبرة العنصر البشري لضمان تقديم حلول متكاملة ومناسبة لمختلف احتياجات المسافرين.

4- تزايُد القلق من فقدان الوظائف: تُثير عملية أتمتة المهام في قطاع السفر، من خلال تقنيات مثل: روبوتات الدردشة التي تتولى الرد على استفسارات العملاء، وأكشاك التسجيل الذاتي في المطارات- مخاوف متزايدة بشأن احتمالات فقدان الوظائف البشرية. ويُعَد إيجاد توازن عادل بين الكفاءة التشغيلية التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، والحفاظ على فرص العمل للعاملين في القطاع، تحديًّا معقدًا يتطلب حلولًا مدروسة لضمان تحول رقمي مسؤول ومستدام.

5- العقبات التنظيمية والقانونية: أدى تقدُّم الذكاء الاصطناعي في قطاع السفر بوتيرة أسرع من قدرة الأطر التنظيمية على مواكبته، إلى فجوة تشريعية تُثير حالة من عدم اليقين القانوني. وقد ينعكس هذا التأخر التنظيمي سلبًا على قضايا أساسية، مثل: حماية البيانات، وتحديد المسؤولية في حال حدوث أخطاء ناجمة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومدى الالتزام باللوائح الدولية الخاصة بالسفر.

وأشار المركز إلى أن تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مجال السياحة يشير إلى تحول جذري يعكس التغير الأوسع في طبيعة الاقتصاد الرقمي العالمي، فلم يعُد الذكاء الاصطناعي مجرد خيار تقني، بل أصبح ضرورة استراتيجية تفرضها ديناميكيات السوق، وتغير سلوك المستهلك، وتزايد الحاجة إلى الكفاءة والابتكار. ومع أن تطبيقاته تمثل فرصة حقيقية لإعادة تصميم تجربة السفر وجعلها أكثر مرونة وشخصنة، إلا أن هذا التحول يصاحبه تحديات حقيقية تتعلق بالأمن، والخصوصية، والعمل، والتنظيم.

وتكمن القيمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي في قدرته على دعم القرارات وتحسين الاستجابات الفورية للمتغيرات، بما في ذلك إدارة الأزمات، وتوقع الاتجاهات السياحية، وخلق تجارب تفاعلية تواكب تطلعات الأجيال الجديدة من المسافرين. لكن هذا التقدم لا يمكن عزله عن اعتبارات الحوكمة الأخلاقية، والعدالة الاجتماعية، وحقوق العاملين، ما يستوجب بناء توازن بين التقدم التقني والمسؤولية الاجتماعية.